تاريخ النشر: الخميس 23 أغسطس 2013
مثلت مسرحيات المونودراما، ذات الممثل الواحد، في السنوات الأخيرة في تونس، ظاهرة باعتبارها فناً قائماً بذاته ومدرسة لها مقوّماتها، وقد ضرب الأمين النهدي ـ وهو أشهر ممثل كوميدي تونسي نجح في هذا النمط المسرحي ـ الرقم القياسي في عدد عروض مسرحيته الأخيرة: ''في هاك السردوك انريشو'' (قرابة 400 عرض، وهو رقم لم يبلغه أي عرض آخر في تاريخ المسرح التونسي، وأصبح الممثل الوحيد تقريباً القادرعلى جلب آلاف المتفرجين إلى المسرح، وهو لا يتردد في القول بين الجد والهزل: ''اني أفضل من عادل إمام'' مطلقا على نفسه ''فنان الشعب''.
تعرض مسرحية الأمين النهدي الأخيرة منذ أكثر من ستة أعوام، وتلاقي في كل عرض نفس النجاح، حتى أنه في إحدى دورات مهرجان قرطاج تمّ برمجة المسرحية في عرضين متتاليين، وهو أمر استثنائي، ويقول الناقد محسن الزغلامي محقّا: ''أنها مسرحية ''حدث'' بأتم معنى الكلمة''، واصفا الأمين النهدي بـ ''النجم الكوميدي الأول في تونس''.تتناول مسرحيته الأخيرة ''في هاك السردوك انريشو'' (السردوك هو الديك و''نريّشوا'' يعني ننزع ريشه) قصّة لجنة تستعد لاستقبال وزير لحي ''الانبهار''، فيغير الوزير مساره ويتخلّل سرد الأحداث المتتالية نقد لاذع لبعض الظواهر السلبية كالنفاق والوصولية والتزلف وحب البروز وغيرها، وتدورالمسرحية في تتالي مقترحات الاحتفال بالوزير الصادرة عن مسؤول ثقافي صغير، متضمنة نقدا لاذعاً للمسؤول الوصولي الذي يسعى إلى تزويق الواقع طمعاً في ترقية، وعند حديثه عن عرضه يسعى الأمين النهدي لأن يصبغ عليه طابعاً يتجاوز المحلية عندما يقول: ''انظر هذه البربرية السائدة في العالم، والى وضع العرب، تفرقة، وتشرذم وصراعات، وكلها قضايا لم يقع ''ترييشها'' (اي ايجاد حلول لها) مضيفا: ''هناك عقلية متخلفة، وهذا هو موضوع مسرحيتي''، ولعل جرأة النهدي في ''الترييش'' هي التي دفعت النقاد للقول أنه لامس الخطوط الحمراء، بل تجاوزها في نقده، دون أن يتعرض لأي أشكال مع الرقابة.
بين النهدي و غوغول
والملفت للنظر أن الأمين النهدي يتقمص في المسرحية الواحدة أكثر من مائة شخصية بمهارة، ويعود نجاحه إلى حرفيته، والى قدرته على إضحاك الناس من عيوبهم، وتطريزه للنصوص بجمل مستمدة من حياة الناس، تجمع بين عمق المعنى وطرافة التعبيرعنه.
ولأن مسرحية الممثل الواحد تتطلب قدرة الممثل على شد الجمهور طيلة ما يقارب الساعتين، فقد برع الأمين النهدي في أسلوب السرد والرواية، وكذلك في تجسيد مشاهد الحوار بين شخصيات عديدة، رغم أن الناقد لطفي العماري يرى أن النص في المسرحية ''يفتقد الى نسيج درامي وجاء خالياً من الحكاية او الخرافة مما جعله مجموعة حالات وشخصيات''.
ويفسر الأمين النهدي اختياره للمونودراما بتأثره في بداية مشواره الفني بمسرحية ''يوميات مجنون'' لغوغول التي قدمها في تونس في السبعينيات الراحل عبد الرزاق الزعزاع.
وللأمين النهدي مشاركات في السينما أشهرها في فيلم ''فردة ولقات اختها'' (وافق شن طبقة)، وهو شريط هزلي من إخراج علي منصور، و''عرب'' من إخراج الفاضل الجعايبي، وقد أدى فيه شخصية تراجيدية، و''كن صديقي'' للمخرج الناصر القطاري.
عندما يقول الوزير لا
وكانت مسرحية النهدي السابقة ''المكّي وزكيّة'' لاقت نجاحاً مماثلا لمسرحيته الحالية، وضرب بها الرقم القياسي في عدد العروض التي تجاوزت الأربع مائة، ويقال إنه جمع منها ثروة، حتى أن إدارة الضرائب انتبهت إليه وطالبته بحقوقها، ووصل الأمر إلى القضاء، ويؤكد المخرج المنصف ذويب مؤلف المسرحية ''أن بين التونسيين من شاهد المسرحية بين أربع واثنتي عشرة مرة، حتى أن بعضهم حفظها عن ظهر قلب''، كما يشير الأمين النهدي الى أن تذاكر الدخول إلى المسرحية المذكورة بيعت في السوق السوداء''، وتدور المسرحية حول قصة شاب ريفي اسمه ''المكي'' أحب ''زكية'' فتاة الحضر، ونتج عن هذا الزواج بروز اختلاف بين الفئتين الاجتماعيتين، وتتخلل الأحداث مواقف هزلية ساخرة عن الحب والزواج والطلاق.
ومن المقاطع الفكاهية المضحكة، والتي حفظها التونسيون جميعاً لوفرة الاعلان التلفزيوني عن المسرحية، المشهد الذي تتفاخر فيه حماة المكي بالتفوق العلمي لابنها، وهي تنفخ عمدا في صورته قصد تلميعها أمام أصهارها وتبالغ في إظهار ''نبوغه''.
تقول باللهجة التونسية وبأسلوب ممتع وجميل ما معناه إن ابنها قد استوعب العلوم كلها بفضل ذكائه وهو عاد من أميركا يحمل شهادات علمية لم يحصل عليها أحد غيره حتى 'انهم' احتاروا في ايجاد وظيفة تتناسب ومستواه العلمي.
تقول: ''اقترحوا عليه وظيفة تأتي في الترتيب مباشرة بعد الوزير فرفض، منحوه منصبا إلى جانب الوزير فلم يقبل، وأخيرا أعطوه منصب الوزير، وهذه المرة فإن الوزير هو الذي قال لا''.
رأي النقاد
لم تنل المسرحية ذات الممثل الواحد اجماع أهل المهنة، حتى أن المسرحي الشهير المنصف السويسي يؤكد أن هناك خلطا في تونس بين مسرحية الممثل الواحد وفرجته، ولا يتردد في الإعلان ''انا لا احب نمط ''وان مان شو''، ويعلل ذلك بأن من اختار هذا النمط جعل منه فرصة لجمع المال وكرس من خلاله انانيته وفرديته، كما يصف بعض المسرحيات الهزلية بأنها ''شعبوية سوقية''، وللممثلة ناجية الورغي رأي مشابه حيث تقول إن المسرحيات الهزلية التي ظهرت في السنوات الأخيرة لا هدف لها سوى اضحاك الناس وكسب المال، اما الممثل رؤوف بن يغلان فهو يؤكد في نقد واضح لمسرحيات الأمين النهدي بأن البعض سعى الى استعمال اللهجة البدوية لاضحاك الجمهور، مشيرا الى أنه ليس من انصار الضحك من اجل الضحك، وانما يجب توظيف ضحك الجمهور على نفسه في المسرح، بحثا عن الحلول. النجاح الباهر للأمين النهدي في المسرح، بالرغم من اخفاقه التلفزيوني، دفع ببعض الممثلين الى تقليده ولكن أغلبهم لم يحصد النجاح مع استثناءات قليلة.
وكان لتكاثر عدد الممثلين المدعين القدرة على اضحاك الناس أن دفع النهدي للقول: ''أغلب الفكاهيين في تونس يضحكونني في الحياة لا على المسرح''، كما اطلق المسرحي الجاد المنصف السويسي صفارة انذار عندما دعا بوضوح الى القضاء على من أسماهم بالفئة المتآمرة على المسرح التونسي.Mondher jeridi
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اضف تعليقك.. واترك بصمتك