كانت لها بصمتها الواضحة في التأسيس لذائقة فنية تعشق وتذوب عشقا في المقامات والنغمات التونسية الاصيلة... السيدة نعمة إحدى القمم الشامخة في الاغنية التونسية
.ولدت في قرية ازمور من معتمدية قليبية ولاية نابل، وانحدرت من عائلة محافظة من ذرية الشيخ سيدي معاوية.
عاشت حليمة طفولتها مع أمها بين قرية ازمور وتونس العاصمة في تنقل مستمر... امها التي جعلتها تنمو وتكبر قبل الاوان... ومن نهج الباشا بمدينة تونس حيث كانت تسكن مع والدتها، كان بيت الرصايصي عبارة عن استوديو للفن حيث تخرج منه أكبر نجوم تونس تالقا ورسوخا في القدم وفي وجدان الشخصية الأساسية للمجتمع التونسي.
انطلقت حليمة تغني وتتحسس خامات صوتها عبر أغنية "صالحة" و"مكحول نظارة" وغيرها من الأغاني الشعبية التي ادخلتها فيما بعد إلى ارشيف الأغنية التونسية، كان ذلك وهي في الحادية عشر من عمرها.
في نهج الباشا كان الاستقرار، وكان الزواج وهي في السادسة عشرة من عمرها. وانجبت حليمة ابنها الأول هشام ثم ابنها الثاني طارق ثم ابنتها هندة. وفي الأثناء كانت تغني في الافراح العائلية، وفي سرعة كبر اسمها وأصبح يتردد على افواه الاقارب والجيران... وغنت لاول مرة امام الجمهور في حفلة خيرية لفائدة جمعية المكفوفين... وفي هذه الحفلة وقفت حليمة إلى جانب علية التي كانت تعتبر المطربة الأولى في "فرقة العصر" التي كان يقودهاالفنان حسن الغربي وأيضا إلى جانب بعض المطربات الشهيرات... وغنت حليمة "حبيبي لعبتو" ولاقت هذه الأغنية استحسانا وقوبلت بترحاب كبير من قبل الجمهور الذي لم يسمع بحليمة... ذلك الاسم المجهول...
وانخرطت حليمة في المعهد الرشيدي وأصبحت من مطربات فرقة الرشيدية ولقبها الفنان صالح المهدي ب"نعمة" ولحن لهامجموعة من الأغاني العاطفية، من بينها"يا ناس ماكسح قلبو" و"الدنيا هانية" و"الليلة اه ياليل" كما لحن لها الفنان خميس ترنان "ماحلاها كلمة في فمي" و"شرع الحب" و"غني يا عصفور". وكانت الاذاعة التونسية تنقل كل نصف شهر حفلات الفرقة الرشيدية وتقوم بتقديمها مباشرة على الهواء.
ومن الاذاعة كان الانتشار... ومع الانتشار كانت الشهرة التي جعلتها تدخل الحفلات العمومية من الباب الكبير كفنانة مطلوبة من الجماهير... وفي بضعة أشهر كانت المطربة نعمة تجوب البلاد التونسية طولا وعرضامن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب حيث الرمال الملتهبة...
هذا الانتشار السريع، وهذه الشهرة المجنحة جلبت لمطربة نعمة الكثير من المتاعب... كان الجهل شرا مستطيرا مسيطرا احاط بالفن والفنانين في تلك الحقبة الزمنية الصعبة ـ بالرغم من انها انجبت اعظم الفنانين في تاريخ تونس المعاصر... فالناس لم تقتنع بعد بان الفن رسالة عظيمة ورسالة نبيلة لا مثيل لها. فالفنان في نظر المطربة نعمة هو تلك البسمة الطفولية البريئة التي يهبها إلى الناس ويزرعها على شفاهم... والفنان عبارة عن شمعة تحترق لتنير الدروب والمسالك للآخرين سعيدة ولو مدة زمنية محددة، وليس هناك أجمل من إعادة رسم شكل الحياة بالالوان: تلك الالوان اضاحكة المشرقة الزاهية...
وفي سنة 1958 دخلت الفنانة إلى الاذاعة كمطربة رسمية ضمن المجموعة الصوتية التي كانت تضم أشهر الأسماء مثل صليحة وعلية ونادية حسن... وتالق نجم نعمة... وشاع اسمها وذاع وملا الاسماع... وانتشرت شهرتهاالى الجزائر وليبيا والمغرب وفرنسا فأصبحت تقيم العديد من الحفلات في هذه البلدان. وغنت في مهرجان انتخاب ملكة جمال العرب ببيروت سنة 1966.
وفي مهرجان الفية القاهرة سنة 1969، شاركت المطربة نعمة ضمن الوفد الفني التونسي في هذه الاحتفالات، وكتب عنها الاديب والشاعر صالح جودت في مجلة "الكواكب المصرية" فقال في انبهار كبير ما يلي: "الواقع انني لم اكن اعرف في تونس هذه الثروة الفنية الكبيرة، وهذه الطاقة الضخمة من الالوان الغنائية... ولا سيما صوت المطربة العظيمة نعمة التي تتميز فوق عذوبة الصوت بالحركة والحيوية على المسرح، وبالتعبير الثري على قسمات الوجه، وبالقدرة الفائقة علي على تحريك الجماهير، وعلى الكثير من مطرباتنا ان يتعلمن من نعمة هذه الخصائص، لان الغناء ليس مجرد عذوبة في الصوت وانما عذوبة الصوت لابد لها من اطار فاخر كاطار نعمة... حيث يتلالا الآداء الحي"... اما الاديب الروائي والمسرحي يوسف ادريس فقد خص المطربة نعمة في المناسبات القليلة التي التقى فيها بالوفد الفني التونسي في الفية القاهرة بهالة غريبة من التبجيل والاحترام واصفا اياها بانها تستحق عن جدارة لقب " فنانة تونس الأولى".
غنت المطربة نعمة في كل الأغراض، ولم تكتف بلون واحد، فرصيدها الغنائي يتجاوز360 أغنية بتلحين اشهرالفنانين، من تونس: خميس ترنان ومحمد التريكي وصالح المهدي والشادلي أنور ومحمد رضا وسيد شطا وقدور الصرارفي وعلي شلغم وعبد الحميد ساسي. ومن ليبيا: حسن العريبي وسلام قادري وكاظم نديم. ومن مصر: يوسف شوقي وسيد مكاوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اضف تعليقك.. واترك بصمتك