كان فرحات حشاد رجلا بارزا ذكيا جدا يتحث الفرنسية بطلاقة وكمال وهو ينزع الى الاعمال الانشائية الايجابية اكثر مما تستهويه بلاغة القول والتعبير وهو يعد من الاعضاء القادة في الحزب الدستوري وكان يعتبر من الوطنيين المعتدلين الذين يقيمون اعمالهم ونظرياتهم على اساس التعاون والاتفاق الاممي.
كتب الصحافي Robert Saint Jean يقول وهو يشير إلى مقابلة جمعته بالزعيم فرحات حشاد قبل ان يموت بقليل: كان يبدو لي ان فرحات حشاد لم يكن كبير الرجاء فيما سينجرّ عن شكوى الدول العربية والآسيوية لدى هيئة الامم المتحدة ولقد قال لي الزعيم النقابي التونسي »سوف لا نحيد عن موقفنا ولو ان محادثات هيئة الامم لا تسفر عن نتيجة« ومعنى هذا ان سياسة فرحات حشاد كانت سياسة قطع العلائق ان لم يكن يفكر في اي موقف وسط بين فرنسا والحزب الحر الدستوري.
وهذا موقف لم يبلغ الى مثله بورقيبة نفسه اذ لم يقرر رئيس الحزب الحرّ الدستوري التونسي مبدأ المطالبة بالكل مطالبة لا تتجزأ فهل كان زعيم الاتحاد العام التونسي للشغل يعتقد انه متى كان أكثر شططا في الطلب فان ذلك يزيد من تعلق الناس به وتشبث اتباعه به مثلما فعل ذلك حزب الوفد المصري غير ما مرة؟
قد يكون ذلك ام هل كان واهما في تقدير الاعانة التي كان يعتقد ان النقابات الامريكية ستمده بها وذلك من اليوم الذي وقع قبوله من طرف هذه النقابات اذ كان يدعو إلى المطالبة بالاستقلال التام.
لا وجود لمنظمة اليد الحمراء!
نشرت جريدة Le Figaro الباريسية مقالا بهذا العنوان لمراسلها بتونس Eric olivier جاءت فيه التصريحات التالية:
ان الشوراع بتونس خالية بعد الساعة الثامنة ليلا فلا يعترضك احد وسط الليلة شديدة القرّ الا فرق الحرس العسكرية توقف من تخلف من المارة وتتحقق من بطاقات التعريف وجوازات المرور.
وتظل الحياة المدنية موقفة الى الصباح فالهاتف مقطوع داخل المدينة وعلى الوافدين على تونس ان يقضّوا سهراتهم في قاعات النزل التي حلّوا بها ذلك ان الناس يلجؤون الى بيوتهم من الثامنة ويوصدون دونهم الابواب فلا مجيب، ويسمع من حين الى حين دوي الانفجارات فتنذربالخطر المحدق.
وقد تمكنا من ان نتحدث حصة وجيزة مع الوزير الاكبر التونسي (البكوش) فقال لنا: »ان فرحات حشاد كان رجلا ثقة وذكيا وقد اسفت اذ رأيته يسلك سبيل سياسة فيها ما فيها من الضرر بنشاطه النقابي الذي اصبح مهملا...«
واجابة عن سؤال قال: »لا وجود لليد الحمراء وليست اعمال العنف الا من شبيبة متحمسة وذلك ما يفسر لنا ما نرى عليه هاته الاعمال اذ هي وليدة الصدف وليست نتيجة لحظة مدبرة او برنامج مقرر..«
كتب »كوهين حضرية« في مقال افتتاحي بجريدة »تونس الاشتراكية« يقول »ان اغتيال فرحات حشاد قد رمى سكان هذه البلاد في اعمق هوة من التأثر والالم.. اني لم ألْقَ احدا يوم وفاته من الفرنسيين او التونسيين لم تسطر على وجهه علائم الفزع والحيرة...
وفي نفس هذا الصدد كتب »سيرج معطي« وهو عضو بالحزب الاشتراكي يقول: ان مقتل فرحات حشاد يذكرنا بمقتل جوريس ذلك الرجل الاشتراكي العظيم الذي سقط في ساحة الكفاح من اجل الطبقة الشعبية... ان امثال هؤلاء الناس لا يلبثون ان يقنعونا بانهم عندما يكونون امواتا يخدمون قضيتهم التي ماتوا من اجلها كما كانوا في حياتهم ان لم يكن اتمّ وأمتن.
انفجر الوضع بالمغرب الاقصى اثر اغتيال فرحات حشاد وعمّت الثورة مدن المغرب الكبرى والتجأت السلطات الفرنسية الى تعطيل جريدة »المغرب« »الاستقلال« »الرأي العام« وتحدثت جريدة »العلم« عن اغتيال الزعيم فرحات حشاد ونشرت نداء للاضراب واعلنت انها لن تصدر في الغد (7 ديسمبر 1952 حدادا على موت الزعيم النقابي التونسي... وكذلك فعلت بقية الصحف والجدير بالذكر ان المظاهرات خلفت عديد القتلى ومئات الجرحى والقي القبض على الآلاف من بينهم الطيب بن عبد القادر الامين العام لجامعة نقابات س.ج.ت.
صرح السيد سالم الشفي امين مال الاتحاد العام التونسي للشغل لمبعوث جريدة »فرانس سوار« بان الرجال الذين لهم فائدة في زوال فرحات حشاد معرفون...« ثم قدم السيد الشفي للصحافي المذكور فصلا من جريدة »تونيزي فرانس« Tunisie France جاء فيه: »لم يبق في وسع سكان الايالة التونسية تحمّل ما يفرضه عليهم المتطرفون وقد وصل بهم الامر الى ان يفكروا بان ينتقموا لانفسهم بانفسهم«.
هذا الكلام صدر على الساعة الحادية عشر بعد اغتيال الزعيم فرحات حشاد بسويعات قليلة...
نقلت صحيفة »تونيزي فرانس« عن شقيقتها الباريسية Le Figaro قالت: ان »الفيغارو« قد رددت صدى اختلاف شديد في الرأي يقال انه جرى بين سمو الباي وفرحات حشاد يوم الاربعاء 3 ديسمبر 1952 ولم يحترم الزعيم النقابي التونسي مقام مليكه فهاجمه بالقول مهاجمة شديدة وقد طلب بالحاح من سمو الباي ان يرسل نيابة رسمية الى صالح بن يوسف وان يطرد وزارة البكوش ويحلّ محلها وزارة شنيق...
وحيث ان سمو الباي قد رفض الاستجابة لذلك الطلب فقد عقد فرحات حشاد في اليوم التالي (الخميس 4 ديسمبر 1952) جلسة حضرها رجالات الاتحاد العام التونسي للشغل والحزب الدستوري وفي ذلك الاجتماع صدرت عن المجتمعين انتقادات موجّهة إلى الملك...
ويقول مراسل »Le Figaro« بعد ذلك: »في الوقت نفسه اتخذت تدابير احتياطية خاصة في القصر الملكي واعلم الملك حاشيته بانه مريض ملازم للفراش...«
وختمت صحيفة »تونيزي فرانس« تعليقها قائلة »لِمَ هذه التدابير الاحتياطية في القصر الملكي؟ هل كان القصر الملكي يخشى عواقب تهديدات فرحات حشاد؟
تابعت جريدة الصباح تطور الوضع بعد اغتيال الزعيم فرحات حشاد ومدت قراءها بآخر الاخبار:
في مساء يوم الجمعة 5 ديسمبر 1952 ذهب وفد من الاتحاد العام التونسي للشغل الى القصر الملكي العام ليبلغ جلالة الملك المعظم احتجاجه على حادث الاغتيال الشنيع الذي اصاب أمينه العام الاستاذ فرحات حشاد...
فاستقبله جلالة الملك المعظم بمزيد التأثر وكان الحزن باديًا على كل من بالقصر الملكي العامر...
قام الاتحاد العام التونسي للشغل في صبيحة امس الجمعة 5 ديسمبر 1952 بمساع لدى السفارة العامة الفرنسية لتسمح بتشييع جنازة زعيم الحركة النقابية المخلص فرحات حشاد في مَوكب خاشع حتى يرافق العملة التونسيين فقيدهم العزيز ورمز حركتهم الجليلة الى مقره الاخير...
ويقول الناطق بلسان الاقامة العامة ان السلطات سمحت بان يحضر عشرة نقابيين جنازة الزعيم الراحل فرفض الاتحاد العام ذلك...
اقيمت بصفاقس بالجامع الكبير مساء يوم الاحد 7 ديسمبر 1952 صلوات الترحم علي روح فقيد العمال الزعيم فرحات حشاد وقد حضرها خلق كبير.
في حدود الساعة الحادية عشر والنصف من صباح الامس 10 ديسمبر 1952 قام م.دي هوتْ كْلُوكْ المقيم العام لفرنسا بتونس بزيارة الى قصر قرطاج العامر حيث شرف بالمثول بين يدي صاحب الجلالة الملك المعظم ابقاه الله وقد دامت المقابلة نصف ساعة ومازال صاحب الجلالة ملازما الفراش...
استدعي قاضي تحقيق المحكمة الفرنسية السيد الطاهر بن عمار مرتين يوم الثلاثاء 9 ديسمبر 1952 مرة في الصباح واخرى بعد الظهر وقد صرح الرئيس السابق للقسم التونسي بالمجلس الكبير لاحدى الصحف الفرنسية ان شهادته تضمنت ارشادات حول حياة الزعيم فرحات حشاد...
هذا وان البحث في قضية الاغتيال قد انيطت بعهدة عميد حكام التحقيق بالمحكمة الفرنسي »م سولي« وزميله »م بينو« ومصالح البوليس...
استمع حاكم التحقيق بالمحكمة الفرنسية م. بيتو يوم الاربعاء 10 ديسمبر 1952 الى شهادة الدكتور كوهين حضرية الامين العام لشعبة الحزب الاشتراكي الفرنسي بتونس، ويظهر انه طلب من الدكتور ارشادات حول حياة الزعيم القتيل...
نقلت »الصباح« عن »تونس سوار« Tunis Soir انه يشاع في اوساط المحامين انه سيقع استجواب عدد كبير من اكبر الشخصيات حول قضية اغتيال الشهيد فرحات حشاد...
ويقال ان الدكتور الصادق المقدم الذي شملته تدابير الابعاد منذ بضعة ايام سيقع استجوابه باعتباره شاهدا وستوجه له اسئلة حول نقط معينة...
وتلقى محاميان من تونس احدهما شملته تدابير الابعاد دعوة للحضور بمكتب قاضي التحقيق بالمحكمة الفرنسي ولم يعرف ان كانت هذه الدعوة متصلة بقضية اغتيال فرحات حشاد ام لا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اضف تعليقك.. واترك بصمتك