آلة المزود هي من أهمّ الآلات الموسيقية الّتي تستعمل في المظاهر الاحتفالية الشّعبية الدّنيوية والدّينية في تونس، وتتخذ بالخصوص الإطار الاجتماعي الثقافي (socio-culturel) الذي يحقّق لها شرعيّتها الفنيّة والموسيقيّة من حيث وجودها كآلة تعبر عن أحاسيس ومشاغل مستعمليها والمتفاعلين معها. تمتاز بطبقة صوتية عليا وصوت قوي يجعل منها من الآلات المحبّذة لدى بعض الفيئات المتواجدة في الأحياء الشعبية. تستعمل هذه الآلة في الكثير من الحالات كأداة للتعبير عن الحدث الانفعالي والتلقائي الذي يشهده ويفرضه المظهر الاحتفالي. لا تتجاوز مساحتها الصوتية الخمسة درجات (Sol-re) من السلم الموسيقي وقد تمتد إلى ستة(sol-mi) أو سبعة درجات (sol-fa) حسب ما يبديه العازف من مهارة وقدرة على تحقيق ذلك. تكون درجة ارتكازها sol ويمكن تحويلها إلى la. إن السهرات التي تقدمها فرق المزود في تونس يطلق عليها في التداول اللفظي الشعبي بالربوخ أو المبيتة أو المحفل أو اللمة. أما المواضيع التي تتطرق إليها هذه الفرق في أغانيها فهي الشعور بالحرمان والإقصاء والاغتراب في فضاء المدينة إلى جانب بعد الحبيبة والتغني بصورة الأم الحنون ومواضيع الهجرة وغيرها وجميعها يسمى بالزندالي. وتمتاز أغاني المزاودية ببنية لحنية تتكرر العديد من المرات وبإيقاعات شعبية سريعة وراقصة من أهمها "الغيطة" و"الفزاني" بأنواعه و"البونوارة" و"المربع تونسي" على الطريقة الشعبية. هذا وتتضمن حفلات المزاودية في بعض الأحيان نوبات زيارات الأولياء كاسماعيل الحطاب والسيدة المنوبية وسيدي محرز وغيرهم. ومن أشهر المغنين في تونس في هذا النمط الموسيقي نذكر بالخصوص الهادي حبوبة وصالح الفرزيط ...
يتكون تخت فرق المزاودية من مجموعة آلات إيقاعية شعبية، كالدف والطبلة والدربوكة إلى جانب آلة المزود. يقع التعلم على هذه الآلات بصفة تلقائية وعن طريق المشافهة والسماع والعيش في الإطار الاجتماعي الذي تمارس فيه هذه الآلة.
من الوهلة الأولى يبدو أن الفن الذي منعه بورقيبة تمكن من أن ينتزع مكانه في الإعلام ثم يراود الفن السابع ويصل الأمر بدكتورة في الجامعة اسمها سنية الشامخي بأن تنجز فيلما عن المزود. وسنية الشامخي مخرجة متحصلة على الدكتوراه في الفنون و علوم الفنون (اختصاص سينما، تلفزيون، فنون سمعية بصرية -جامعة السربون- باريس ) تدرّس جماليات الصورة والتقنيات السمعية البصرية بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس وروائية ومؤلفة درامية، ساهمت في كتابة العديد من الأفلام الروائية والوثائقية.
و بعضهم تلقوا عرفانا بالجميل و مجدا لم تهتم به وسائل الإعلام وإن كان مؤكدا وملموسًا مثل محسن الماطري. وغيرهم نجحوا بتألق مثل أشرف و عبد الكريم البنزرتي، هذه النجوم الصاعدة التي عليها أن تحافظ على هذا التفوّق.
و الشبّان من هؤلاء يستطلعون نجمهم الصاعد من خلال الحفلات العائليّة والمحلات العمومية (المقاهي، صالونات الشاي، الكباريهات، قاعات العرض...)
فبدءًا من حي التضامن إلى الزهرُوني، لكل حي من هذه الضواحي المتشعبة في العاصمة فرقة المزود و المغنّون و الشعراء و المؤلفون و عازفو المزود و ناقرو الدربوكة و البندير (الطبل) الخاصون به.
هؤلاء بآلتهم و غنائهم و صوتهم و موسيقاهم الصاخبة الماجنة التي تنبثق منها أحيانا عربدة المهمّشين و يأس المشرّدين و حبّ الأم الجنوني وجراح الإهمال أو خيانة المرأة الحبيبة، بكل هذا تغلبوا على الحضر الذي أصاب فنّهم منذ استقلال تونس إلى التسعينات. لقد صنعوا جمهورًا يحبهم ويخلص لهم، جمهورا رفعهم إلى السماء.
إنه تتويج و نجاح شعبي ساطع تم الحفاظ عليه إلى يومنا هذا. إنه نجاح جعل فنّاني المزود يتجاوزون العاصمة التونسية ليكتسحوا البلاد بأكملها و يتخطّوا الحدود إلى طرابلس و الجزائر والدار البيضاء و يغزون العواصم الأوروبيّة التي تقطنها جالية مغاربية كثيفة مثال باريس وبروكسل و برلين ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اضف تعليقك.. واترك بصمتك